“عم حارث”.. الذي صافحه بلاتر خمس مرات واحتضنه جمهور الأهلي ألف مرّة

إن كنت من جمهور النادي الأهلي، أو ممن مرّوا يومًا على مدرجات مختنقة بالهتاف في ستاد القاهرة أو مختبئة خلف شاشة تلفاز تنتظر صافرة البداية… فلا بد أنك رأيت الرجل الأسمر يلوّح بيده للجماهير، فيعلن دون أن يتحدث: “لقد حان وقت التشجيع، لقد نزل الأهلي!” ذلك الرجل هو عم حارث.
حكاية ليست ككل الحكايات، وعمر قضاه بين جدران القلعة الحمراء لا يُقاس بالسنين فقط، بل يُقاس بالبطولات، بالعِشرة، بالدموع التي انهمرت على خدّ ثابت البطل، وبالضحكات التي رسمها أبو تريكة في فجرٍ رمضانيٍ داخل غرفة الملابس.
بدأت رحلة أيقونة الأهلي “عم حارث” عام 1973، طفل لم يتجاوز الثانية عشرة، يطرق أبواب الأهلي من بوابة حمّام السباحة، لم يكن يعلم أن الأقدار ستجعله شاهدًا على 71 بطولة، ورفيقًا لكل من مرّ من صالح سليم حتى محمود الخطيب، ومن ثابت البطل حتى محمد الشناوي.
في العام التالي، انتقل للعمل مع الفريق الأول، وهناك بدأت الحكاية التي لن تتكرر.
قال له حسن حمدي ذات يوم مازحًا: “يا حارث، اتغيرت من ساعة إعلان جهينة!” وكانت تلك المزحة تختصر حبًا، واحترامًا، وعِشرة.
ثابت البطل.. والدرس الأول في الرجولة
يروي عم حارث: “أُصبت بكسر في وجه القدم ذات مرة، وكان حسام حسن مصابًا بنفس الإصابة، ثابت البطل قال لي: اطلع واسترح. لكن حسام أصر ألا يغادر إلا إذا خرج عم حارث أولًا، ثم جاءني في بيتي وقال لي ارتاح أسبوع، وأنا أستنى لما تشفى.”
أبو تريكة.. الفجر والسندوتشات
لم يكن أبو تريكة مجرد لاعب، بل كان قريبًا كالأخ. “كان يتصل بي قبل صلاة الفجر، يقول لي: عم حارث، هات سندوتشات الفول وتعال نفطر. يصلي، يفطر، يقرأ قرآن، ثم يطلب مني أن أوقظه قبل التمرين بنصف ساعة.”
جاء فرح ابنته على توك توك، وزاره في عزبة الصعايدة حين مرض، وهكذا تُبنى العلاقات الصادقة.
من جوهانسبرج إلى بورسعيد.. دموع ودماء
لم يسافر عم حارث مع الفريق إلا بعد قدوم جوزيه عام 2001، حين رأى البرتغالي أن الراحة النفسية أهم من أي تكتيك. كانت الرحلة إلى صن داونز بداية المشوار الخارجي، ونهايته المؤلمة كانت في بورسعيد.
“في بورسعيد، لم يكن هناك جمهور أهلاوي، رأينا وجوهًا غريبة، سكونًا مخيفًا، والشرطة متخاذلة، وفهيم عمر، الحكم، لا حول له ولا قوة.”
يتنهد حارث: “شاهدت أبو تريكة يقرأ الشهادة على 3 من جمهور الأهلي في غرفة الملابس، وكان إكرامي وأحمد فتحي يصرخون وسط الدماء، حسبنا الله ونعم الوكيل.”
سيد عبد النعيم.. الجار الذي كسر القلب
“الهدف الذي لن أنساه؟ هدف سيد عبد النعيم، جاري، الذي أهدى الدوري لإنبي… مات مشجع أهلاوي من الصدمة، وأنا كنت شاهدًا على اللحظة.”
الأهلي.. البيت الذي لا يترك أبناءه
“الأهلي مش نادٍ وخلاص، ده بيت. شفته في الشدة، وفي الفرح، والأهلي خيره عليّ، وعلى بيتي، وعلى أولادي. والنهارده، الناس بتتصور معايا وأنا مجرد عامل تجهيزات رياضية… لكن أنا من أهل البيت.”
يعمل عم حارث يوميًا بين 8 و14 ساعة، يسبق اللاعبين إلى الملعب، ويخبر الجماهير قبلهم بخمس دقائق: “استعدوا… أبطالكم قادمون!”
“لو دربت الأهلي.. هكسب الزمالك!”
قالها ضاحكًا بعد أن حمله المدرب جاريدو على كتفيه عقب الفوز في السوبر. هو لا يدرب، لكنه يعرف الأهلي أكثر من أي مدير فني مرّ عليه.
الصفاقسي؟ قال: “دي البطولة الأغلى، رغم أني مكنتش في البعثة.”
عم حارث ليس مجرد عامل تجهيزات. إنه التاريخ غير المكتوب، والذاكرة التي تمشي على قدمين داخل التتش، هو جزء من نسيج الأهلي، كما الشعار، كما النجمة، كما المدرج.
وفي كل مرة تلوّح فيها يداه للجماهير، يكتب فصلًا جديدًا في قصة لا تنتهي.